النحو الوافي مع ربطه بالأساليب الرفيعة و الحياة اللغوية المتجددة، ج2، ص: 193
المسألة 74: المفعول المطلق[1]
معناه:
الفعل يدل على أمرين معا؛ أحدهما: المعنى المجرد[2]، و يسمى: «الحدث» و الآخر: الزمان؛ ففى مثل: رجع المجاهد؛ فأسرع الناس لاستقباله، و فرحوا بقدومه، يدل كل فعل من الأفعال الثلاثة: (رجع- أسرع- فرح ...) بنفسه مباشرة؛- أى: من غير حاجة إلى كلمة أخرى،- على أمرين.
أولهما: معنى محض نفهمه بالعقل؛ هو: الرجوع- الإسراع- الفرح ...
و هذا المعنى المجرد هو ما يسمى أيضا: «الحدث».
و ثانيهما: زمن وقع فيه ذلك المعنى المجرد (الحدث) و انتهى قبل النطق بالفعل، فهو زمن قد فات، و انقضى قبل الكلام. و هذا الفعل يسمى: «الماضى».
و لو غيرنا صيغة الفعل؛ فقلنا: يرجع المجاهد؛ فيسرع الناس لاستقباله، و يفرحون بقدومه- لظلّ كل فعل دالّا على الأمرين: المعنى المجرد، و الزمن.
و لكن الزمن هنا صالح للحال و الاستقبال. و هذا هو: «الفعل المضارع».
و لو غيرنا الصيغة مرة ثالثة فقلنا: ارجع ... أسرع ... افرح- لدلّ الفعل فى صورته الجديدة على الأمرين؛ المعنى المجرد، و الزمن، لكن الزمن
______________________________
(1) المطلق، أى: الذى ليس مقيدا تقييد باقى المفاعيل- بذكر شىء بعده، كحرف جر مع مجروره، أو غيره من القيود؛ كالمفعول به- المفعول لأجله- المفعول معه ...
و يقولون فى سبب إطلاقه: إنه المفعول الحقيقى لفاعل الفعل؛ إذ لم يوجد من الفاعل إلا ذلك الحدث؛ نحو: قام المريض قياما. فالمريض قد أو جد القيام نفسه، و أحدثه حقّا بعد أن لم يكن؛ بخلاف باقى المفعولات، فإنه لم يوجدها، و إنما سميت باسمها باعتبار إلصاق الفعل بها، أو وقوعه لأجلها، أو معها، أو فيها؛ فلذلك لا تسمى مفعولا إلا مقيدة بشىء بعدها.
هذا، و قد لازمته كلمة: «المطلق» حتى صارت قيدا.
(2) أى: العقل المحض الذى لا كيان و لا وجود له إلا فى العقل؛ فهو صورة عقلية بحتة؛ فلا يقوم بنفسه، و إنما يقوم بغيره، و لا يدل على صاحبه الذى يقوم به، و لا على إفراد، و لا تثنية، و لا جمع، و لا تذكير، و لا تأنيث. هذا هو المراد من «التجريد البحت».
النحو الوافي مع ربطه بالأساليب الرفيعة و الحياة اللغوية المتجددة، ج2، ص: 194
هنا مستقبل فقط. و هذا هو: «فعل الأمر» فالفعل بأنواعه الثلاثة يدل على المعنى المجرد (الحدث) و الزمان[3] معا.
و لو أتينا بمصدر صريح[4]- لتلك الأفعال- أو غيرها- لوجدناه وحده يدل على المعنى المجرد (الحدث) فقط؛ كالمصدر وحده فى مثل: الرجوع حسن- الإسراع نافع- الفرح كثير. فهو يدل على أحد الشيئين اللذين يدل عليهما الفعل. و هذا معنى قولهم: «المصدر الصريح[5] يدل- فى الغالب[6]- على الحدث دون الزمان»[7].
و المصدر الصريح أصل المشتقات- فى الرأى الشائع[8]-، و يصلح لأنواع الإعراب المختلفة؛ فيكون مبتدأ، و خبرا، و فاعلا، و مفعولا به ... و ...
و ... و قد يكون منصوبا فى جملته باعتباره مصدرا صريحا جاء لغرض معنوى؛ كتأكيد معنى عامله المشارك له فى المادة اللفظية (أو غير هذا مما سيجىء هنا) مثل:
حطّم التمساح السفينة تحطيما. و فى هذه الحالة و أشباهها يسمى: «مفعولا
______________________________
(1) و هذا هو الغالب؛ لأن هناك أفعالا لا تدل على الزمان كنعم و بئس فى المدح و الذم، و كالأفعال التى فى التعريفات العلمية، و غيرها، مما أوضحناه و فصلناه- فيما يتعلق بمعنى الفعل، و أقسامه، و الزمان، و غيره- بالجزء الأول ص 29 م 4.
(2) غير مؤول. و إذا أطلق المصدر كان المراد: الصريح.
(3) لأن المؤول يدل على زمن معين، (على الوجه الذى بسطناه فى مكانه من الجزء الأول ص 302 م 29).
(4) لأن المصدر الصريح قد يدل مع الحدث على المرة، أو الهيئة. و إيضاح هذا و تفصيله فى موضعه الخاص من بابهما (ج 3 ص 144 و 161، 174).
(5) و إلى هذا أشار ابن مالك بقوله.
المصدر اسم ما سوى الزّمان من | | مدلولى الفعل؛ كأمن، من أمن- 1 |
| | |
يقول فى تعريف المصدر: إنه اسم يطلق على شىء غير الزمان من المدلولين اللذين يدل عليهما الفعل.
و لما كان هذان المدلولان هما: الحدث و الزمان، و قد صرح بأنه يدل على غير الزمان- اتجهت الدلالة بعد ذلك إلى المعنى المجرد وحده. و مثل للمصدر بكلمة: «أمن» و قال عنه: إنه من الفعل الماضى: «أمن»، يريد بذلك: أن معنى هذا المصدر هو بعض مما يحويه الفعل «أمن» إذ الأمن يدل على المعنى المجرد الذى هو أحد شيئين يدل عليهما الفعل: أمن.
(6) راجع الرأى فى ج 3 باب: أبنية المصادر. ص 144 م 98 و فى 99 161 م باب:
«إعمال المصدر و اسمه».
النحو الوافي مع ربطه بالأساليب الرفيعة و الحياة اللغوية المتجددة، ج2، ص: 195
مطلقا»[9]، و يقال فى إعرابه: إنه منصوب على المصدرية، أو منصوب، لأنه مفعول مطلق.
و إذا كان منصوبا على هذه الصورة الخاصة فناصبه قد يكون مصدرا آخر من لفظه و معناه، أو من معناه فقط. و قد يكون فعلا[10] من مادته و معناه، أو من معناه فقط، و قد يكون الناصب له وصفا متصرفا يعمل عمل فعله- إلا أفعل التفضيل- كقولهم: إن الترفع عن الناس ترفعا أساسه الغطرسة، يدفع بصاحبه إلى الشقاء دفعا لا يستطيع منه خلاصا. و قولهم: المخلص لنفسه إخلاص العقلاء يصدّها عن الغىّ؛ فيسعد، و المعجب بها إعجاب الحمقى يطلق لها العنان فيهلك[11].
فالمصدر: «ترفّعا»- قد نصب بمصدر مثله؛ هو: ترفّع.
و المصدر: «دفعا»- قد نصب بالفعل المضارع قبله؛ و هو: يدفع.
و المصدر: «إخلاص»- قد نصب باسم الفاعل قبله؛ و هو: المخلص.
و المصدر: «إعجاب»- قد نصب باسم المفعول قبله؛ هو: المعجب.
و كقولهم: الفرح فرحا مسرفا، كالحزين حزنا مفرطا؛ كلاهما مسىء لنفسه، بعيد عن الحكمة و السداد.
فالمصدر: «فرحا» منصوب بالصفة المشبهة قبله و هى: «الفرح».
______________________________
(1) سيجىء تعريفه فى رقم 2 من هامش ص 198.
(2) بشرط أن يكون متصرفا، و تاما، و غير ملغى عن العمل، فخرج الفعل الجامد؛ كفعل التعجب، و الناقص مثل كان. و الملغى، مثل «ظن» عند إلغائها بالطريقة السابقة- فى ص 37-
(3) و فى هذا يقول ابن مالك:
بمثله؛ أو فعل، أو وصف نصب | | و كونه أصلا لهذين انتخب- 2 |
| | |
بيّن فى هذا البيت حكم المصدر، و أنه قد ينصب بمصدر مثله، أو بفعل، أو وصف، و انتخب كونه أصلا للفعل و الوصف؛ أى: وقع الاختيار و التفضيل على الرأى القائل بهذا.
ثم بين أقسام المصدر بحسب فائدته المعنوية؛ فقال:
توكيدا، أو نوعا يبين، أو عدد | | كسرت سيرتين، سير ذى رشد- 3 |
| | |
أى: أن المصدر قد يفيد التوكيد، أو يبين النوع، أو يبين العدد. و ساق مثالا يجمع الأقسام الثلاثة؛ فإن: «سيرتين» هى لبيان العدد مع التوكيد أيضا، و «سير ذى رشد» لبيان النوع مع التوكيد أيضا. و ترك القسم الرابع النائب عن عامله. و سيجىء فى ص 207.
النحو الوافي مع ربطه بالأساليب الرفيعة و الحياة اللغوية المتجددة، ج2، ص: 196
و كذلك المصدر: «حزنا»؛ فإنه منصوب بالصفة المشبهة قبله، و هى: «الحزين»[12].
*** تقسيم المصدر بحسب فائدته المعنوية:
(ا) قد يكون الغرض من المصدر أمرا واحدا؛ هو: أن يؤكّد- توكيدا لفظيّا- معنى عامله المذكور قبله، و يزيده قوة، و يقرره؛ (أى: يبعد عنه الشك و احتمال المجاز.) و يتحقق هذا بالمصدر المنصوب المبهم[13]، نحو: بلع الحوت الرجل بلعا- طارت السمكة فى الجو طيرانا ...
(ب) و قد يكون الغرض من المصدر المنصوب أمرين معا؛- فهما متلازمان-:
توكيد معنى عامله المذكور، و بيان نوعه، و يكون بيان النوع هو الأهم[14]؛
______________________________
(1) و الصفة المشبهة تنصب المصدر فى الرأى الأنسب؛ لأن فيه تيسيرا- كما سيجىء فى بابها ج 3 م 105
«ملاحظة»: قد يكون العامل فى المنادى هو العامل فى نصب المصدر. و من الأمثلة قول الشاعر:
يا هند دعوة صبّ هائم دنف | | منّى بوصل، و إلا مات أو كربا |
| | |
(راجع الهمع ج 1 ص 173. و ستجىء لهذا إشارة فى ج 4 باب النداء، م 127 ص 6)
(2) المصدر المبهم هو الذى يقتصر على معناه المجرد دون أن تجىء له زيادة معنوية من ناحية أخرى؛ كإضافة أو وصف، أو عدد، أو «أل» التى للعهد ... و المصدر، المختص ما يؤدى معناه المجرد مع زيادة أخرى تجىء لمعناه من خارج لفظه؛ كالتى تجىء له من الإضافة، أو الوصف .. أو أو .. و البلاغة تقتضى أن يكون استعمال المصدر المبهم مقصورا على الحالة يكون فيها معنى عامله موضع غرابة أو شك؛ فيزيل المصدر المبهم تلك الغرابة، و هذا الشك؛ كالأمثلة التى عرضناها.
فليس من البلاغة أن يقال: قعدت قعودا- أكلت أكلا .. و أشباه هذا، مادام الفعل: «قعد» أو أكل، ليس موضع غرابة أو شك. نعم التعبير صحيح لغويا، و لكنه ركيك بلاغيا. أما مثل:
طارت السمكة طيرانا، فالبلاغة ترضى عن مجىء المصدر المبهم؛ لغرابة معنى عامله، و تشكك السامع فى صحته ... و هكذا ...
و توكيد المصدر لعامله هو من نوع التوكيد اللفظى- الذى سيجىء فى الجزء الثالث م 116 ص 434-؛ فيؤكد نفس عامله إن كان مصدرا مثله، و يؤكد مصدر عامله الذى ليس بمصدر ليتحد المؤكّد و المؤكّد معا فى نوع الصيغة؛ (تطبيقا لشرط التوكيد اللفظى، و منه التوكيد بالمصدر الذى نحن فيه)؛ فمعنى قولك: عبرت النهر عبرا- أو جدت عبرا عبرا. و هذا رأى المحققين. لكن سيترتب على الأخذ برأيهم حذف المؤكّد فى التوكيد اللفظى، و هذا الحذف ينافى الغرض من التوكيد اللفظى. و فوق هذا عامله الحقيقى محذوف أيضا؛ ففى الكلام حذف كثير.
هل يجاب بأن اؤكّد مع حذفه ملاحظ يدل عليه اللفظ المذكور الذى يشاركه فى الاشتقاق، و هو:
«عبرت» فهو محذوف كالمذكور؟
(3) يدخل فى هذا القسم المصدر المصوغ للدلالة على الهيئة، (و سيجىء الكلام عليه فى ج 3 م 100)
النحو الوافي مع ربطه بالأساليب الرفيعة و الحياة اللغوية المتجددة، ج2، ص: 197
نحو: نظرت للعالم نظر الإعجاب و التقدير، و أثنيت عليه ثناء مستطابا.
و قوله تعالى: (وَ إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ، فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ)، و ليس من الممكن بيان النوع[15] من غير توكيد معنى العامل.
(ح) و قد يكون الغرض منه أمرين متلازمين أيضا؛ هما: توكيد معنى عامله المذكور مع بيان[16] عدده، و يكون الثانى هو الأهم. و لا يتحقق الثانى بغير توكيده معنى العامل؛ نحو: قرأت الكتاب قراءتين، و زرت الآثار الرائعة ثلاث زورات.
(د) و قد يكون الغرض منه الأمور الثلاثة مجتمعة[17]؛ نحو: قرأت الكتاب قراءتين نافعتين- وزرت الآثار الرائعة ثلاث زورات طويلات ... و لا بد من اعتبار المصدر مختصّا فى هذه الحالات الثلاث الأخيرة: (ب- ج- د) لأن المصدر المبهم مقصور على التوكيد المحض؛ لا يزيد عليه شيئا. فإذا دلّ مع التوكيد على بيان النوع، أو بيان العدد، أو هما معا- وجب اعتباره مصدرا مختصّا.
و مما تقدم نعلم أن فائدة المصدر المعنوية قد تقتصر على التوكيد وحده.
و لكنها لا تقتصر على بيان النوع وحده، أو بيان العدد وحده. أو عليهما معا؛ إذ لا بد من إفاة التوكيد فى كل حالة من هذه الحالات الثلاث. و من ثمّ قسّم
______________________________
(1) يقولون: إن المصدر النوعى إن كان مضافا فالأصح اعتباره نائب مصدر؛ لاستحالة أن يفعل الإنسان فعل غيره؛ و إنما يفعل فعله الصادر منه؛ فالأصل فى مثل: سرت سير ذى رشد؛ هو؛ سرت سيرا مثل سير ذى رشد؛ فحذف المصدر، ثم صفته، و أنيب المضاف إليه منابه. و لو لا ذلك لكان المعنى: أن سير ذى الرشد قد سرته هو نفسه؛ و هذا فاسد، إذ كيف أسير السير المنسوب لذى الرشد؟ كيف يكون ذو الرشد هو الذى ساره و أوجده فى حين أقول أنا الذى سرته و أوجدته؟
ففى الكلام تناقض و فساد لا يزيلهما إلا اعتبار النوعى المضاف نائب مصدر. و هذا كلام دقيق، يتجه إليه غرض المعربين، و إن لم يتقيدوا به فى إعرابهم الشائع المقبول أيضا؛ تيسيرا و تخفيفا. (راجع رقم 1 هامش ص 204).
(2) و يدخل فى هذا القسم المصدر المصوغ للدلالة على المرة، و هو- فى الغالب- لا يعمل، كسائر المصادر العددية. (و سنشير لهذا فى رقم 4 من هامش ص 199 و فى ص 200. أما تفصيل الكلام عليه ففى بابه الخاص من ج 3 م 100).
(3) هى: توكيد المعنى، و بيان النوع، و بيان العدد.
النحو الوافي مع ربطه بالأساليب الرفيعة و الحياة اللغوية المتجددة، ج2، ص: 198
بعض النحاة المصدر قسمين؛ مبهما؛ و يراد به: المؤكّد لمعنى عامله المذكور.
و مختصّا؛ و يراد به المؤكّد أيضا مع زيادة بيان النوع، أو بيان العدد، أو بيانهما معا.
و قسمه بعض آخر ثلاثة أقسام؛ هى: المؤكّد لعامله المذكور، و المؤكد المبين لنوعه، و المؤكد المبين لعدده، و سكت عن المؤكّد المبين للنوع و العدد معا؛ لأنه مركب من الأخيرين؛ فهو مفهوم و مقبول بداهة. و نتيجة التقسيم واحدة[18].
أمثلة لما سبق:
أمثلة للتوكيد وحده: كلم اللّه موسى تكليما- غزا العلم الكواكب غزوا- صافح الفيل صاحبه مصافحة.
أمثلة للتوكيد مع بيان النوع: ترنّم المغنّى ترنم البلبل- رسم الخبير رسما بديعا- أجاد المطرب إجادة الموسيقىّ.
أمثلة للتوكيد مع بيان العدد: قرأت رسالة الأديب قراءة واحدة، و قرأها أخى قراءتين، و قرأها غيرنا ثلاث قراءات.
أمثلة للتوكيد مع بيان الأمرين: ترنمت ترنيمى البلبل و المغنى الساحرين- رحلت لبلاد الشام ثلاث رحلات جميلات.
و النحاة يسمون المصدر المنصوب الدال بنفسه على نوع مما سبق[19]:
«المفعول المطلق».
______________________________
(1) و هناك قسم آخر- سيجىء فى ص 207- هو المصدر النائب عن عامله المحذوف، و هو مستقل بنفسه فى رأى حسن؛ و لذا يقول المحققون إن أقسام المصدر أربعة، و الأخذ بهذا الرأى أنفع، لأنه يذلل صعوبات لا يمكن تذليلها إلا بالتأويل و التقدير و التكلف من غير داع. و من أمثلة هذا:
أن المصدر المؤكد لعامله لا يجوز فى الغالب حذف عامله- كما سيجىء فى ص 200 و 207 و فى رقم 1 من هامش ص 208-، و لا أن يعمل، مع أن هناك أنواعا من المصادر قد تؤكد عاملها و تعمل عمله مع وجوب حذفه؛ كالمصدر النائب عن عامله المحذوف، فهذا تناقض يمنعه أن يكون هذا قسما مستقلا.
(2) يقول ابن هشام فى تعريف المفعول المطلق: «إنه اسم يؤكد عامله، أو يبين نوعه، أو عدده. و ليس خبرا عن مبتدأ (كقولنا: علمك علم نافع) و لا حالا (نحو: ولى مدبرا) ...» اه لا داعى لقوله: (ليس خبرا عن مبتدأ)؛ لأن هذا الخبر مرفوع و عمدة، كما أن خبر النواسخ عمدة.
و لا لقوله: (ليس حالا)، لأن الحال مشتق- فى الغالب- أما المفعول المطلق فليس مرفوعا و لا عمدة، و ليس بمشتق فى الغالب ...- هذا، و الحال فى المثال مؤكدة لعاملها-
النحو الوافي مع ربطه بالأساليب الرفيعة و الحياة اللغوية المتجددة، ج2، ص: 199
فالمفعول المطلق تسمية يراد منها: المصدر المنصوب المبهم أو المختص. و قد يراد منها: النائب عن ذلك المصدر فهى تسمية صالحة لكل واحد منهما، تنطبق عليه.- كما سنعرف[20].-
حكم المصدر[21]:
1- إذا كان المصدر مؤكّدا لعامله المذكور فى الجملة تأكيدا محضا؛ فإنه لا يرفع فاعلا[22]، و لا ينصب مفعولا به. إلا إن كان مؤكّدا نائبا عن فعله المحذوف[23] كما لا يجوز- فى الرأى الشائع- تثنيته، و لا جمعه ما دام المراد منه فى كل حالة هو المعنى المجرد، دون تقييده بشىء يزيد عليه، أى: ما دام المصدر مبهما؛ فلا يقال: صفحت عن المخطئ صفحين، و لا وعدتك وعودا. إلا إن كان المصدر المبهم مختوما بالتاء؛ مثل التلاوة؛ فيقال: التلاوتان و التلاوات.
و سبب امتناع التثنية و الجمع أن المصدر المؤكّد مقصود به معنى الجنس[24]؛ لا الأفراد؛ فهو يدل بنفسه على القليل و الكثير، فيستغنى بهذه الدلالة عن الدلالة
______________________________
(1) سنعلم مما سيجىء فى ص 201 أن هناك أشياء تنوب عن المصدر الأصيل عند حذفه؛ فتعرب مفعولا مطلقا، أو نائب مصدر، و لا تعرب مصدرا. و على هذا قد يكون المصدر مفعولا مطلقا كالأمثلة السابقة، و قد يكون المصدر غير المفعول المطلق؛ و ذلك إذا كان المصدر مرفوعا، أو مجرورا أو كان منصوبا لا يبين توكيدا، و لا نوعا، و لا عددا، نحو: القتل أشنع الجرائم، و الفتنة أشد من القتل. إن القتل أشنع الجرائم. و قد يكون المفعول المطلق غير مصدر؛ كالأشياء التى أشرنا إليها؛ و هى التى تنوب عن المصدر عند حذفه فالمصدر و المفعول المطلق يجتمعان معا فى بعض الحالات فقط، و ينفرد كل منهما بحالات لا يوجد فيها الآخر. (و هذا يسمى عند المناطقة: بالعموم الوجهى بين شيئين؛ فيجتمعان معا فى جهة معينة، و ينفرد كل منهما فى جهة أخرى تجعله أعم. و أشمل، و أكثر أفراد من نظيره ...)
(2) أفرد النحاة لإعمال المصدر بابا خاصا بهذا العنوان، يشمل شروط إعماله، و مختلف أحكامه، (و سيجىء فى ج 3 ص 161 م 99).
(3) لأنه نوع من التوكيد اللفظى- كما أشرنا فى رقم 2 من هامش ص 196- و التوكيد اللفظى لا يكون عاملا و لا معمولا، إلا فيما نص عليه البيان المدون هنا، و فى بابه الخاص.
(4) هذه الحالة الفريدة التى يعمل فيها المصدر المؤكد عمل فعله. و ستجىء مواضع نيابته عنه فى ص 207 م 76، أما المبين- بنوعيه- فلا يعمل فى الغالب، كما سنذكره.
(5) المراد: الجنس الإفرادى، و هو ما يصدق على القليل و الكثير، مثل، ماء- هواء- ضوء (راجع ج 1 ص 15 م 1).
النحو الوافي مع ربطه بالأساليب الرفيعة و الحياة اللغوية المتجددة، ج2، ص: 200
العددية فى المفرد، و التثنية، و الجمع؛ لأن دلالته تتضمنها و مثل المصدر المؤكد ما ينوب عنه.
و لا يجوز أيضا- فى الغالب- حذف عامل المصدر المؤكّد و لا تأخيره؛ عن معموله المصدر؛ لأن المصدر جاء لتقوية معنى عامله، و تقريره بإزالة الشك عنه، و إثبات أنه معنى حقيقى، لا مجازى، و الحذف مناف للتقوية و التقرير. لكن هناك مواضع يحذف فيها عامل المصدر المؤكّد وجوبا بشرط إنابة المصدر عنه، و ستجىء[25].
2- أما المصدر المبين للنوع- إذا اختلفت أنواعه- أو المبين للعدد، فيجوز تثنيتهما و جمعهما، و تقدمهما على العامل، و هما فى حالة الإفراد أو التثنية أو الجمع، و لا يعملان شيئا- فى الغالب-[26]؛ فليس لهما فاعل و لا مفعول ... فمثال تثنية الأول و جمعه: سلكت مع الناس سلوكى العاقل؛ الشدة حينا، و الملاينة حينا آخر- سرت سير الخلفاء الراشدين؛ أى: سلكت مع الناس نوعين من السلوك، و سرت معهم أنواعا من السّير (و ليس المراد بيان عدد مرات السلوك، و أنه كان مرتين، و لا بيان عدد مرات السير، و أنه كان متعددا، و إنما المراد بيان اختلاف الأنواع فى كل حالة، بغير نظر للعدد).
و مثال الثانى: خطوت فى الحديقة عشر خطوات، و درت فى جوانبها أربع دورات[27].
______________________________
(1) فى ص 207 م 76.
(2) و قد يعمل المبين للنوع أحيانا، كأن يكون مضافا لفاعله، ناصبا مفعوله أو غير ناصب؛ نحو: تألمت من إيذاء القوىّ الضعيف- حزنت حزن المريض. و هذا العمل- على قلته- قياسى. (كما سيجىء البيان فى ج 3
نوشته شده در 20/11/1395 - 18:23:47 - توسط: فریده جان محمدی